قاطنوه يطالبون بتوفير الضروريات سيدي مسيد في قسنطينة منطقة تاريخية مهملة تتحول لمنطقة ظل

1٬631

يغرق حي سيدي مسيد العتيق بولاية قسنطينة، رفقة المعالم التاريخية النادرة التي كان ولا يزال يزخر بها منذ نشأته قبل مئات السنين، في موجة من الإهمال التام ألقت بظلالها على المنطقة ككل، ومست جوانب كثيرة من هذا الحي العريق، وجعلته يعاني في صمت من غياب أبسط ضروريات الحياة الكريمة، مع تسجيل عشرات النقائص التنموية التربوية والترفيهية، التي نغصت على سكانه حياتهم اليومية، حيث عبروا عن امتعاضهم من لامبالاة المسؤولين حيال انشغالاتهم، ووضع حيهم الذي يتدهور عاما بعد عام، وسط انطماس المعالم التاريخية التي كانت تنير عاصمة الشرق الجزائري منذ سنوات خلت، والتي تحتاج قطعا إلى اهتمام خاص ومشاريع جادة لتنفض عنها غبار عقود من النكران والتسيب.

 

 مكسب سياحي نادر طمس معالمه التسيب وسوء التسيير

 

وكان حي سيدي مسيد العريق، يعد من بين أهم المكاسب السياحية المميزة، التي تتفرد بها ولاية قسنطينة، والتي تعود تاريخها إلى الحقبة الرومانية، غير أن سياسة الإهمال التي طالت الحي ومعالمه الأثرية، ساهمت بشكل مباشر في تدهورها واندثار الكثير من الآثار النادرة، وتعريضها للتلف والسرقة وكذا الطمس العمدي وغير العمدي، من طرف المواطنين الجاهلين بقيمتها التاريخية والمعنوية، بالإضافة إلى الاعتداءات المستمرة على البنايات القديمة، دون دراسة هندسية جادة ولا تمحيص في قيمتها التاريخية، ويأتي على رأسها المصعد الحجري سيدي مسيد الذي أصبحت وضعية الطريق المؤدية إليه في حالة كارثية، ناهيك عن امتلاء مدخل المصعد بالقاذورات والأوساخ والفضلات من كل الأنواع، رغم أن المصعد متوقف عن العمل منذ سنة 1965، وكان قد دخل ضمن برنامج ترميم بمناسبة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية سنة 2015، غير أن مشروع الترميم لم يبدأ إلى غاية كتابة هذه الأسطر.

وظل المواطنون يحلمون بتحقيق الوعود التي سمعوها على لسان المسؤولين المتعاقبين على رأس الهيئة الإدارية بالولاية، خاصة بعد الحديث عن إمكانية فتح المصعد أمام المواطنين من جديد، وما يمكنه من تقديم خدمة كبيرة للسكان من اختصار للوقت والجهد.

 

مصعد فريد مهمل رغم قيمته التاريخية والهندسية

 

ودشن المصعد الحجري سيدي مسيد في سنة 1934، وكان يقدم خدمة للسياح وهواة السباحة من خلال تمكينهم من الوصول إلى المسبح الذي يحمل ذات الاسم، وصمم في تلك الحقبة الزمنية لتحمل وزن 800 كلغ، أين ينطلق هذا المصعد من أحد أنفاق شارع زيغود يوسف للوصول بعد الهبوط بحوالي 200 متر، بالقرب من جسر الشلالات، إلى سفح المنحدر المتاخم للضفة اليمنى لوادي الرمال.

ويعد هذا المصعد طريقا سريعا ومثاليا للوصول إلى مسابح سيدي مسيد، ويسمح بالتحرك عبر تجويف في نفس الصخرة انطلاقا من المنحدر المحاذي لشارع زيغود يوسف معطيا الانطباع بأن الشخص في رحلة داخل بئر دون قعر، الذي يستمر في جو خرافي  ونادر لغاية أسفل وادي الرمال نحو درب السياح، وجسر الشيطان، مختصرا خلالها تلك المسافة الطويلة في حوالي عشر دقائق فقط، إلا أن هذه المنشأة الفريدة من نوعها تم غلقها سنوات قليلة بعد استرجاع السيادة الوطنية، بعد اكتشاف عمليات نهب طالت جميع كابلاته والعديد من المعدات المتطورة التي تم تركيبها وقتها، لتبقى منذ ذلك الحين عملية إعادة استغلال هذا المعلم السياحي النادر لسيرتا القديمة مرهونا باستعادة مخطط شبكات الكهرباء الخاصة بهذه المنشأة.

وبالإضافة للمصعد فإن حي سيدي مسيد ككل يعيش وضعا مأساويا، بعدما كان سابقا متنفسا ومعلما تاريخيا بامتياز لجميع سكان قسنطينة، إلا أنه أضحى اليوم في حالة يرثى لها، بعدما هدّم المسبح الأولمبي لسيدي مسيد عن آخره بهدف إعادة ترميمه، إلا أن أشغال إعادة بنائه متوقفة منذ سنوات، ما حوّل هذا المرفق الترفيهي والرياضي إلى خراب حقيقي، في حالة أقل ما يمكن وصفها بأنها كارثية.

 

مسبح سيدي مسيد التاريخي…سبب آخر للبكاء

 

ورغم أن قسنطينة تفتقر لمنشآت رياضية وترفيهية بقيمة مسبح سيدي مسيد الذي يعود تاريخ تدشينه إلى سنة ‏‎1878‎، وحرصت السلطات الولائية على إعادته من جديد إلى سابق عهده من خلال ترميمه وتجهيزه ‏بمعدات عصرية، إلا أن المشروع لم ير النور رغم المحاولات والدراسات التي كانت تعكف على إنجازها شركات أجنبية مختصة، وضعت فيها الجهات الوصية الثقة في إعادته إلى سابق أمجاده.

إلا أنها فشلت وتخلت عن المشروع، تاركة المسبح بعدما تحوّل إلى كومة من الحطام، ما أجبر الرياضيين من أبناء قسنطينة على اختيار مدينة ساحلية قريبة لممارسة هواياتهم أو التدريب، رغم أن تاريخ هذا المسبح شاهد على تخرّج العديد من  أبطال الجزائر في السباحة سنوات السبعينات، ناهيك عن مساهمة هذا المرفق الحيوي في  تنشيط الاقتصاد المحلي للمنطقة، وتهافت السياح والزوار عليه من كل حدب وصوب، والذي أدى بغلقه وتهديمه إلى ركود تام في المجال الاقتصادي والسياحي، وحول المنطقة إلى بقعة منسية، تداعت كل مقوماتها الأثرية والسياحية وأصبحت مهجورة إلا من سكانها.

 

 سكان الحي يشتكون من نقص المرافق العمومية وانعدام التهيئة الخارجية

 

من جهة أخرى، كشف السكان أنه وبالرغم من قرب المنطقة من وسط مدينة قسنطينة، إلا أن سكانها يعيشون التهميش بجميع تفاصيله، فالمنطقة تفتقر لأدنى متطلبات الأحياء الأخرى، من غاز وماء صالح للشرب، أين يعتمد جل السكان على الينابيع القريبة لتوفير مياه الشرب، في حين أن التهيئة الخارجية تكاد تكون منعدمة، إلا ما خلفته الحقبة الاستعمارية، فلا أرصفة ولا طرقات معبدة ولا حتى ممرات تليق بالراجلين، بالإضافة إلى نقص المساحات الخضراء المهيأة، أو ملاعب جوارية تضمن للشباب والأطفال متسعا لممارسة مواهبهم والترفيه عن أنفسهم.

ضف إلى ذلك مشاكل قنوات الصرف الصحي التي أرقت الساكنة، بسبب قدمها وانفجارها في أكثر من نقطة، بالإضافة لعدم إكمال مسار القناة الرئيسية لصرف المياه التي أصبحت تصب وسط تجمع سكاني في الجهة السفلية من الحي وما يخلف ذلك من روائح كريهة وأمراض وحشرات ضارة.

 

مطالب بترميم مستوصف الحي وإنقاذ المدرسة الوحيدة من الانهيار

 

وفي السياق نفسه رفع سكان حي سيدي مسيد، مطلب ضرورة التفات المسولين للنقائص التي يتخبط فيها الحي، وبرمجة مشاريع تنموية جادة، وتوفير مرافق صحية التي يفتقر إليها الحي على أهميتها، أو على الأقل ترميم المستوصف الوحيد في المنطقة، نظرا للحاجة الماسة لخدماته، بعد الانهيارات الجزئية التي أصابته والتشققات التي طالت الأسقف والجدران، ما أصبح يشكل خطرا حقيقيا يهدد العمال والمرضى على حد سواء، ناهيك عن انعدام الأطباء الأخصائيين على غرار باقي المستوصفات والعمل بالوتيرة الدورية الأسبوعية، ضف إلى ذلك أنه لا يوفر سوى عدد قليل من التحاليل الطبية، ما يدفع المواطن البسيط إلى تكبد عناء البحث عنها خارج المنطقة، أو دفع تكاليفها الباهظة في القطاع الخاص، ناهيك عن توقف أوقات العمل به عند الساعة الرابعة بعد الظهر، ما يحتم على السكان غالبا التنقل للوحدات الصحية القريبة طلبا للعلاج، خاصة في الحالات المستعجلة.

كما أن نقص المؤسسات التربوية خاصة الابتدائية منها، جعلت المدرسة الوحيدة في الحي تعرف اكتظاظا كبيرا، يتجاوز فيها عدد التلاميذ داخل القسم الواحد  الـ 39 تلميذا، ما أثر على التحصيل العلمي للأطفال، أين أصبح المعلم يجد صعوبة في العمل، بالإضافة إلى تهالك جدران المؤسسة التربوية التي أصبحت تهدد حياة الأطفال، ما دفع أولياء التلاميذ للاحتجاج أكثر من مرة لكن دون أن يجد احتجاجهم آذانا صاغية من طرف المسؤولين الذين يكتفون في كل مرة بتقديم وعود لم ترق إلى قرارات تنفذ.

كل هذا العناء الذي يعانيه سكان سيدي مسيد خاصة منهم الشباب، زادته حدة سوء خدمة الهاتف والانترنت بالمنطقة، ما أثار استياء عشرات المواطنين، الذين أكدوا أنهم يخسرون مبالغ مالية معتبرة كل شهر، دون أن يتحصلوا على خدمة انترنت لائقة، وهي المشكلة التي عجزت المصالح المختصة أن تجد لها حلا على حد قولهم، رغم أهمية هذه الوسيلة التي أصبح الشباب لا يستطيعون الاستغناء عنها، في ظل انعدام المرافق الترفيهية بحيّهم الذي لم تشفع له قيمته التاريخية والحضارية من أجل أن يلقى اهتماما أكثر من المسؤولين المتعاقبين على إدارة شؤون ولاية قسنطينة.

التعليقات مغلقة.

Headlines
الاخبار::
الجلفة: الشروع في تنفيذ غراسة نموذجية لإنتاج شتلات الأرقان تحضيرات امتحانات نهاية السنة متواصلة بتبسة: الوالي يشدد على انهاء أشغال المشاريع قبل الدخول المدرسي المقبل أم البواقي: مشاريع واعدة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسنة 2025 الإعلان عن انطلاق قافلة تضامنية لأزيد من 100 عائلة بقسنطينة حملة تحسيسية الوقاية من الفيروس الكبدي داخل المدارس بعنابة توفير النقل بالقرى في عنابة: بوشاشي تحرص على انهاء المشاريع في آجالها بذراع الريش رئيس الجمهورية يؤكد التزام الجزائر بالمرافعة عن قضية التنمية في إفريقيا ميلاد مجموعة ال3 بقرطاج: المغرب العربي للعمل بدل مغرب عربي الشعارات منح 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني خلال الأربع سنوات الماضية القضاء على إرهابي بالشلف بالناحية العسكرية الأولى شرفة يتباحث مع المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب عرقاب يتباحث بتورينو مع الرئيس المدير العام لبيكر هيوز حول فرص الاستثمار في الجزائر